تخيل أن شخصًا ما يقدم لك هدية. وهي بالضبط ما كنت تتمناه. فتفرح فرحًا شديدًا، حتى أنك تتعلّق بها إلى درجة نسيان من قدّمها لك أصلًا.
للأسف، هذا هو حال كثير من الناس مع الله سبحانه وتعالى.
ننسا أن الله هو مصدر كل نعمة، ونتعلق بالنعمة ذاتها حتى تصبح في قلوبنا أحبّ إلينا من الله. وشيئًا فشيئًا، تتحول هذه النعمة إلى مصدر للقلق، العناء، وربما حتى الشقاء.
قال الله تعالى:
“وَنَبْلُوكُم بِٱلشَّرِّ وَٱلْخَيْرِ فِتْنَةً”
فلماذا يُعدّ الخير ابتلاءً أيضًا؟
لعل السبب هو اختبار ردة فعلنا تجاهه. هل نكون من الشاكرين؟
على قوله عز وجل: “إِنَّا هَدَيْنَـٰهُ ٱلسَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًۭا وَإِمَّا كَفُورًۭا” [الإنسان: 3].
موضوع الشكر واسع، وسأتحدث عنه لاحقًا، لكن اليوم أريد تسليط الضوء على مشكلة خطيرة: خلل الأولويات.
من السهل أن نقول: “الله أولًا”. ولكن هل أفعالنا تعكس ذلك؟ لننظر في مثالين شائعين.
قال الله تعالى:
“ٱلْمَالُ وَٱلْبَنُونَ زِينَةُ ٱلْحَيَوٰةِ ٱلدُّنْيَا” [الكهف: 46]
لكنه أيضًا قال:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَٰلُكُمْ وَلَآ أَوْلَـٰدُكُمْ عَن ذِكْرِ ٱللَّهِ” [المنافقون: 9]
- النجاح المالي
تخيّل رجلاً مسلمًا أغناه الله وبارك له في رزقه.
لكنه، مع مرور الوقت، انشغل بجمع المال لدرجة أنه بدأ يتهرّب من دفع الزكاة، رغم وضوح الأمر في القرآن:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓا۟ أَنفِقُوا۟ مِمَّا رَزَقْنَـٰكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِىَ يَوْمٌۭ لَّا بَيْعٌۭ فِيهِ وَلَا خُلَّةٌۭ وَلَا شَفَـٰعَةٌۭ ۗ وَٱلْكَـٰفِرُونَ هُمُ ٱلظَّـٰلِمُونَ” [البقرة: 254]
وقد يبخل حتى على أسرته، مع أن أولى الناس بماله هم أقرباؤه، كما في قوله تعالى:
“۞ لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّوا۟ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ ءَامَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلْـَٔاخِرِ… وَءَاتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِۦ ذَوِى ٱلْقُرْبَىٰ” [البقرة: 177]
- البنون
إذا كنت تحب أبناءك، وهذا طبيعي، فاسأل نفسك:
هل هم فوق الله في سلّم أولوياتك؟
حتى النبي إبراهيم عليه السلام اختُبر بابنه إسماعيل عليه السلام.
إن كنتِ أمًّا، مثلًا، تتجنبين توجيه أو تأديب طفلك خوفًا من أن تظهري بمظهر “الأم القاسية”، فتأملي قوله تعالى:
“يَـٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوا۟ كُونُوا۟ قَوَّٰمِينَ بِٱلْقِسْطِ شُهَدَآءَ لِلَّهِ وَلَوْ عَلَىٰٓ أَنفُسِكُمْ أَوِ ٱلْوَٰلِدَيْنِ وَٱلْأَقْرَبِينَ”
[النساء: 135]
إذا كانت راحتك وصورتك كـ”أم لطيفة” تأتي أولًا، فربما تحتاجين لترتيب أولوياتك.
هذا تذكير لي ولكم جميعًا: لا تفرحوا بالهدايا حدّ نسيان من أهداكم.
لا تجعلوا نِعم الله حُجبًا بينكم وبينه.
الحب الحقيقي و التقدير الحقيقي، يجب أن يوجَّه لله. خالقنا ورازقنا ومولانا.
فلن نأخذ معنا أي مال أو متعة أو ابن بعد الموت.
لكننا سنأخد قلوبنا… فهل هي سليمة و موحّدة لله ؟
