سؤالٌ عظيم تطرحه الآيات القرآنية:
أَفَمَن كَانَ عَلَىٰ بَيِّنَةٍۢ مِّن رَّبِّهِ كَمَن زُيِّنَ لَهُۥ سُوٓءُ عَمَلِهِۦ” محمد 14”
هل أنا مدرك لأنماطي؟ لانفعالاتي وعاداتي؟ أم أنني أخدع نفسي، أؤذي من حولي، ولا أبالي؟
عندما تواجه واقعك اليومي كما هو، لا كما تتمنى أن يكون، ستدرك المسافة الكبيرة بينك وبين ذاتك المثالية في الأخلاق، العادات، العلاقات، والأهم: تقربها إلى الله.
قد يكون إدراك الذات تجربة مؤلمة وصارمة، إذ تكشف عن أجزاء في نفسك يجب أن تنهار وتفنى لتُشكل من جديد.
فمن التحديات التي غيّرتني كانت مواجهتي لميولي الاستهلاكي: فكم من الوقت أهدرت في الانشغال بوسائل التواصل الاجتماعي والترفيه. هل تعلم أن المتوسط اليومي لاستخدام الشاشات لدى من هم في سن العشرين هو 7 ساعات.
لكن حتى لو كان فقط 3 ساعات يوميًا، فهذا يعني 1095 ساعة في السنة.
فأي انشغالات مفرطة، أو إدمانات هي طرق خضوع و هروب من الواقع.
هذا مجرد مثال واحد يمكنك مواجهته. تحسين وضعك المالي مثال آخر. جودة علاقاتك، أو غيابها. والأهم من ذلك كله، علاقتك بخالقك.
نشعر أحياناً بعدم قدرتنا على تحقيق أحلامنا، فنستسلم بدل المحاولة، مما يولّد الكراهية الذاتية والخوف المتزايد. لكن النجاح ممكن. و إن لم يكن بأيدينا، فهو بيد الفتاح عز و جل.
«وَمَن يَتَّقِ ٱللَّهَ يَجْعَل لَّهُۥ مَخْرَجًۭا وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحْتَسِبُ ۚ وَمَن يَتَوَكَّل عَلَى ٱللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُۥ» الطلاق2‑3
فاقرأ هذه الآية وتأكد من قوتها .
لاحظ كمّية الضجيج في عقلك، وتخلّص منه. أنت بحاجة إلى وضوح، وتستحق أن تفهم من تكون وإلى أين تمضي حياتك.
قد يساعدك العلاج النفسي، لكنه ليس ضرورة مطلقة كما تدعيها بعض الٱراء الشائعة. اعلم أن لك في الصلاة كنزاً، فهي عبادة روحية أنزلت من السماء, نستطيع من خلالها أن نناجي الله ونبثّ إليه كل همومنا وأحزاننا. تمامًا كما فعل النبي يعقوب عليه السلام حين كان يحزن على فراق ابنه العزيز.
«قَالَ إِنَّمَآ أَشْكُوا۟ بَثِّى وَحُزْنِىٓ إِلَى ٱللَّهِ» (يوسف 12:86)
فمن يسمعك غير السميع؟ ومن يرى من حالك غير الرقيب؟ ومن يعينك غير المعين؟
«وَلَقَدْ خَلَقْنَا ٱلْإِنسَـٰنَ وَنَعْلَمُ مَا تُوَسْوِسُ بِهِۦ نَفْسُهُۥ وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ ٱلْوَرِيدِ» (ق 16)
نصيحة أخرى أبلغك إياها وهي التدوين. الكتابة يمكن أن تنقل المجهول إلى المعلوم، واللاواعي إلى الواعي لقوله تعالى
«ٱلَّذِى عَلَّمَ بِٱلْقَلَمِ عَلَّمَ ٱلْإِنسَـٰنَ مَا لَمْ يَعْلَمْ» (العلق 4‑5)
الكتابة كانت نقطة تحول في حياتي، من خلالها أصبحت أكثر طمأنينة وحضورًا. علمتني كيف أفكر بنفسي، حتى لا يُفرض عليّ تفكير غيري.
فإذا اخترت الهروب والانشغال بالمحتوى التافه، فلن يتغيّر شيء؛ ستظل خاضعا لمخاوفك، أي تضع أهواءك ونزواتك فوق ما هو أهم، حتى تقودك في نهاية المطاف إلى مكان لا ترغب الوصول إليه، لا في هذه الحياة ولا في الآخرة.
فكونك مسلمًا، وسعيا لتحصيل الأخلاق الفاضلة والمكانة العالية في الجنة، عليك بالتعرف الذاتي وبنية صادقة.
